إليك أبرز الرحلات الفضائية التي ستنطلق في عام 2023
في 16 نوفمبر 2022، شهد العالم انطلاق المهمة أرتميس 1، التي تُعد جزءًا من خطة الولايات المتحدة الأمريكية من أجل عودة البشر مرةً أخرى إلى القمر خلال ثلاثة أعوام من تاريخ الإطلاق، أما عربيًّا فقد كان إطلاق المهمة الفضائية راشد أهم الأحداث الفضائية، حينما انطلقت “راشد” على متن صاروخ “فالكون 9” في 11 ديسمبر الماضي، من محطة كيب كانافيرال في ولاية فلوريدا الأمريكية، وراشد هي أول مركبة عربية تنطلق إلى الفضاء من أجل دراسة سطح القمر.
ومن المنتظر أن يشهد عام 2023 كذلك مجموعةً من المهمات الفضائية المتميزة، ويزداد عدد الإطلاقات الصاروخية عامًا بعد عام، ليتجاوز العدد عشرات الإطلاقات سنويًّا إلى المئات، وعادةً ما يكون معظمها في نطاقات محددة، مثل مجالات الاتصالات والشؤون العسكرية ودراسة سطح الأرض، سواء لأغراض زراعية أو مناخية أو لأغراض التخطيط.
وهناك الأقمار الصناعية التعليمية وتلك التي يُسهم في إطلاقها هواة الراديو حول العالم، أضف إلى ذلك أن عام 2023 سيشهد أيضًا بعض الرحلات التي تُعنى بنطاق جديد تمامًا وهو “سياحة الفضاء”، لكن ما ننوي الحديث عنه بشكل خاص هو المهمات الفضائية التي تختص بدراسة محيطنا الكوني الواسع.
الهنود يدرسون الشمس
ولنبدأ من شهر فبراير 2023، إذ تنتوي وكالة الفضاء الهندية (ISRO) إطلاق أول مهمة علمية لها لدراسة فيزياء الغلاف الجوي للشمس، تسمى “أديتيا-ل1” Aditya-L1، وهي عبارة عن قمر صناعي رصدي يبلغ وزنه حوالي طن ونصف، سيسافر مبتعدًا عن الأرض على مسافة 1.5 مليون كيلومتر، حاملًا سبع قطع تقنية ذات أهداف متنوعة، منها دراسة طبقة الهالة الشمسية، التي تُعد إلى الآن سرًّا كبيرًا في هذا النطاق، إذ تتخطى درجة حرارتها المليون درجة مئوية، بينما تبلغ درجة حرارة سطح الشمس حوالي 6000 درجة فقط، الأمر الذي يدفع للتساؤل عن سبب تسخين الهالة.
ستعمل المهمة كذلك على دراسة الرياح الشمسية، وهي الجسيمات المشحونة التي تنطلق من الشمس بسرعات عالية في اتجاه الكواكب ويأتي كوكب الأرض في مقدمة هذه الكواكب، تجد دراسة الرياح الشمسية أهمية كبيرة حاليًّا، لأنها يمكن أن تؤثر على الأقمار الصناعية وأنظمة الاتصالات ورواد الفضاء، في حقبة أصبح فيها السفر إلى الفضاء وإطلاق الأقمار الصناعية مهماتٍ اعتيادية.
صيادو الكويكبات
وفي أكتوبر 2023 ستنطلق المهمة “سايكي” Psyche، وتتبع وكالة الفضاء والطيران الأمريكية (ناسا)، وتستهدف السفر إلى كويكب غني بالمعادن يدور في حزام الكويكبات (بين المريخ والمشتري)، يعتقد العلماء أن هذا الكويكب نواة مكونة من الحديد والنيكل لكوكب قديم تحطم لسببٍ ما، يحمل الكويكب اسم “16 سايكي”، ويبلغ متوسط قطره حوالي 226 كيلومترًا، أي ما يعادل تقريبًا المسافة بين مدينتي القاهرة والإسكندرية في مصر.
إذا مر كل شيء كما هو مخطط له، فإن سايكي ستصل إلى الكويكب المستهدف في عام 2029، حين تبدأ بدراسته، هدفها الأول هو تأكيد فرضية الكوكب المتحطم عبر عمل فحص شامل لتركيبة هذا الكويكب، كما تعطي دراسة الكويكبات العلماء معرفةً أساسيةً بالكيفية التي نشأ بها نظامنا الشمسي.
مرة أخرى للمشتري
أما في أبريل القادم، فيُتوقع أن تنطلق المهمة “جوس” JUICE التابعة لوكالة الفضاء الأوروبية، من أجل استكشاف أقمار المشتري الثلجية، ستدرس المهمة ثلاثة من أقمار المشتري الجاليلية، هي جانيميد وأوروبا وكاليستو، إذ يُعتقد أن هذه الأقمار تحديدًا تحتوي على خزانات كبيرة من المياه السائلة تحت أسطحها الثلجية، الأمر الذي لو تأكد لأشار إلى إمكانية أن تحتضن تلك الأقمار البعيدة صورًا من الحياة.
ستعمل المهمة على بناء خرائط طبوغرافية وجيولوجية وتركيبية لأسطح تلك الأقمار، مع دراسة مفصلة للخصائص الفيزيائية للقشور الجليدية على أسطحها، إلى جانب دراسة المجال المغناطيسي لجانيميد بشكل خاص وتفاعلاته مع الغلاف المغناطيسي للمشتري، أما بالنسبة للقمر أوروبا، فسوف تتركز أهداف المهمة على البحث عن الجزيئات والمركبات الكيميائية الأساسية للحياة.
إن لم تحدث أي مشكلات تعوق الإطلاق، فمن المتوقع أن تصل “جوس” إلى كوكب المشتري في يوليو 2031، وفي ديسمبر 2034 سيبدأ المسبار الخاص بالمهمة في دراسة جانيميد، وبذلك ستصبح أول مركبة فضائية تدور حول قمر غير قمر الأرض.
البحث عن الحياة
ويبدو أن البحث عن الحياة سيكون أمرًا علميًّا رائجًا في عام 2023، إذ ينتوي فريق بحثي من معهد ماستشوستس للتكنولوجيا، في شهر مايو، إرسال مسبار “فينوس لايف فايندر” Venus Life Finder probe، للبحث عن بصمة الحياة على كوكب الزهرة.
سيقطع المسبار الذي تبلغ كتلته حوالي 25 كيلوجرامًا فقط مسافة قدرها حوالي خمسة وخمسين مليون كيلومتر قبل أن يصل إلى الكوكب، ثم يُلقي المسبار بنفسه بين غيوم الزهرة الكثيفة في غلافه الجوي ويلتقط البيانات لمدة ثلاث دقائق فقط، ثم يرسلها إلى الأرض قبل أن يتعطل ثم يتحطم.
خلال تلك الفترة القصيرة سيهدف المسبار إلى الكشف عن علامات حدوث تفاعلات كيمياء معقدة داخل القطرات التي يصادفها في أثناء حركته، والتي يمكن أن تشير إلى وجود حياة في الغلاف الجوي للكوكب صاحب الرقم القياسي في أعلى درجات الحرارة بالمجموعة الشمسية، يأتي ذلك في سياق كشف آخر قبل سنتين، نُشرت نتائجه في دورية “نيتشر أسترونومي” Nature Astronomy، حينما وجد العلماء أن الغلاف الجوي للزهرة يحتوي على غاز الفوسفين الذي لا ينتج على الأرض إلا بسبب نشاط حي، سواء بسبب أنواع محددة من البكتيريا أو بسبب النشاط الإنساني نفسه.
هابل الصيني
أما في الفترة من منتصف 2023 إلى نهايتها (الموعد لم يتحدد بشكل دقيق بعد)، فإن الحكومة الصينية تنوي إطلاق تلسكوب محطة الفضاء الصينية The Chinese Space Station Optical Survey، الذي يهدف إلى العمل كمرصد ضوئي فضائي على غرار هابل، ليخدم العلماء الصينيين من أجل إجراء مسح سماوي شامل لحوالي نصف سماء الليل خلال فترة عمل أساسي مدتها 10 سنوات.
قطر مرآة التلسكوب الرئيسية يساوي مترين (هابل 2.4 متر)، وهدفه الأساسي تخطيط الهيكل الكبروي للكون، أي توزيع المجرات على نطاق واسع، الأمر الذي يمكن أن يسهم في تحقيق فهم أفضل لأحد أكبر ألغاز الكون الحالية، وهو ما يسميه العلماء بالمادة المظلمة Dark Matter، التي تمثل حوالي 85% من المادة الموجودة في الكون، إلى جانب ذلك سيعمل التلسكوب -مثل رفيقيه الأمريكيين هابل وجيمس ويب- على فهم أصول المجرات في الكون وتطورها.
الباحث عن النجوم المتفجرة
تولي الصين، منذ ما يقرب من ثلاثة عقود، اهتمامًا كبيرًا بعلم الفيزياء الفلكية وتطوراته، ويشهد العالم كل عام المزيد من إنجازاتها في هذا النطاق، إلى جانب تلسكوب المحطة الفضائية الصينية، فإن الصين بالتعاون مع فرنسا ينويان إطلاق مراقب الأجرام المتغيرة الفضائي (SVOM) في عام 2023، وهو تلسكوب يعمل في نطاق الأشعة السينية.
يهدف التلسكوب إلى إجراء دراسة مفصلة عن ظاهرة كونية لفتت الكثير من الانتباه البحثي مؤخرًا، وهي انفجارات أشعة جاما (GRBs)، وهي ومضات إشعاعية قصيرة العمر من أشعة جاما تأتي إلى الأرض من كل حدبٍ وصوب، وتُعد أكثر أشكال الضوء نشاطًا، وتدوم وقتًا يقع بين عدة أجزاء طفيفة جدًّا من الثانية.
يُعتقد أن بعضًا من هذه الانفجارات يرتبط بمستعرات أعظمية فائقة القوة (hypernova)، وهي أعظم انفجارات الكون المعروفة، وتحدث حينما ينهار نجم عملاق جدًّا (أكبر من 30 كتلة شمسية) على نفسه تاركًا ثقبًا أسود في المركز، ومن أقطاب هذا الثقب الأسود تنطلق نفاثات من المادة والطاقة.
تشاندريان على القمر
مهمة أخرى من المتوقع أن تطلقها وكالة الفضاء الهندية في 2023 هي “تشاندريان-3” Chandrayaan 3، التي تُعد استكمالًا لمهمة سابقة انطلقت في 2019 هي “تشاندريان-2″، التي كانت تهدف إلى وضع مركبة هبوط Landerومركبة جوالة Rover بين المرتفعات القمرية بالقرب من القطب الجنوبي، في اللحظات الأخيرة للهبوط تعطلت مركبة الهبوط وتحطمت مع المركبة الجوالة، لكن المهمة كانت قد تركت مركبةً ثالثةً تدور حول القمر، ما زالت تعمل بكفاءة إلى الآن.
المهمة الجديدة “تشاندريان-3” مشابهة لسابقتها مع تحسينات إضافية، تهدف المهمة إلى اختبار قدرة التكنولوجيا الجديدة على تحقيق هبوط آمن على سطح القمر، إذا حدث ذلك فستصبح الهند رابع دولة في العالم تهبط على سطح القمر بنجاح بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا، وستكون الأولى التي تهبط في نطاق القطب الجنوبي للقمر.
إلى جانب ذلك، ستقوم المهمة بدراسة تضاريس قطب القمر الجنوبي، وبشكل خاص الجليد الذي تزخر به هذه المنطقة، وتُعد دراسة الماء على سطح القمر نطاقًا بحثيًّا يجذب الكثير من الاهتمام حاليًّا؛ لأن وجود كميات كافية منه بصورة يسهل الحصول عليها يحفز بالتبعية حماس الكثير من الدول لبناء محطات مأهولة دائمة على سطح القمر.
السعي خلف أصل الكون
مهمة أخرى تعتزم وكالة الفضاء الأوروبية إطلاقها في عام 2023 هي “إقليدس” Euclid، وهي تليسكوب يعمل في نطاقي الضوء المرئي والأشعة تحت الحمراء، من المفترض أن يقوم إقليدس ببناء خارطة ثلاثية الأبعاد للكون من خلال مراقبته لعدة مليارات من المجرات تمتد حتى مسافة قدرها 10 مليارات سنة ضوئية، يهدف ذلك بالتبعية إلى تحقيق فهم أفضل لكلٍّ من الطاقة والمادة المظلمتين، من خلال قياس سرعة تمدد الكون بدقة شديدة.
ستكون جودة الصور -وبالتبعية البيانات الخاصة بإقليدس- أكثر وضوحًا بأربع مرات على الأقل من تلك التي حققتها عمليات المسح الأرضية، وبالتالي سيساعد ذلك على بناء نموذج نظري أفضل للكيفية التي يتوسع بها الكون، الأمر الذي يمكن أن يُسهم في الإجابة عن أسئلة العلماء حول أصل الكون، والظروف التي تلت الانفجار العظيم مباشرة، وكيف أدت إلى ظهور المجرات بالتوزيع الذي تتخذه حاليًّا في الفضاء الواسع.