المذنبات
مقدمة عن المذنبات أخافت المذنبات الإنسان وزرعت في قلبه الرعب منذ القدم، فكلما ظهر مذنب جديد في السماء يتشاءم الناس بظهوره، حيث يعتقدون بأن ظهوره في السماء يرافقه كارثه تنزل بالبشر، فإما أن يموت ملك، أو تشن معركة جديده وتكون نتيجتها خاسرة، أو تقع هزة أرضية مدمرة، أو تحدث فيضانات …الخ. يذكر التاريخ القصص المختلفة للأحداث التي رافق وقوعها ظهور أحد المذنبات، وأهم قصة تروي عن ظهور مذنب هالي الذي ظهر أثناء توجه الخليفة العباسي الثامن المعتصم لفتح مدينة عمورية سنة 223 للهجرة، الموافق لسنة 837م، فعندما قرر المعتصم تجهيز الجيش لفتح عمورية، ظهر مذنب هالي وكان ذيله طويلاً جداً ومخيفاً حقاً، وعندئذ نصحه المنجمون بأن يتراجع عن قراره بفتح عموريه لأن ظهور المذنب سوف يؤدي إلى خسارة المعركة، لكن المعتصم المؤمن بالله تعالى لم يأبه بكلام المنجمين وذهب إلى عموريه ودخلها فاتحاً، مفنداً بذلك كلام المنجمين. وبهذه المناسبة قال الشاعر المعروف (أبو تمام) قصيدته المعروفة حول هذا الحدث وقال في مطلعها: السيف أصدق انباء من الكتب في حده الحد بين الجلد واللعب وقال في قصيدته أيضاً حول مذنب هالي: وخوفوا الناس من دهياء مظلمه إذا بدا الكوكب الغربي ذو الذنب والعلم في شهب الأرماح لامعة بين الخميسين لا في السبعة الشهب وعلى الرغم من تطور معلوماتنا عن المذنبات في العصر الحالي، والتي تؤكد أن المذنبات ليس لها تأثير على الأرض أو الإنسان، وليس لها علاقة بالكوارث على الأرض، فلا يزال عدد كبير من الناس يخافون ظهور المذنبات، وذلك كما حدث سنة 1910م، حينما كانت الصحافة تنشر معلومات بينت فيها بأن المذنب سوف يصطدم بالأرض وينهي الحياة عليها، فراح الناس يختبئون في الكهوف ويحاولون التقرب إلى الله تعالى عن طريق الصلاة والدعاء، على اعتبار أن نهاية العالم قد دنت، واستغل بعض التجار في اوروبا حالة الخوف والهلع من المذنب، فراحو يبيعون الناس الأدوية (المضادة للمذنب)! والتي ادعوا فيها أنها تحمي من السموم التي يبثها المذنب في الغلاف الغازي. وفي عام 1997 انتحرت مجموعة من المثقفين في الولايات المتحدة الامريكية زاد عددهم عن الثلاثين، وذلك لإعتقادهم أن المذنب الشهير (هيل-بوب)Halle-Bob التي ظهر آنذاك سوف يأخذ أرواحهم إلى الجنة!. وعرفت المذنبات منذ القدم، فقد سمت العرب المذنبات (النجمه أم ذيل)، وسماها الإغريق (المذنبات ذات الشعر)، كما شبهت الشعوب القديمة المذنبات بالسيوف القادمة من الآلهة السماوية، وعلى شكل صلبان أو على شكل مراوح. أصل المذنبات كانت النظريات الكلاسيكية تبين أن المذنبات تشكلت من نفس المادة الخام التي تشكلت منها الكواكب السيارة ولكنها تقع في الأطراف الخارجية للسحابة الأولى، وبسبب بعد المادة التي تشكلت منها المذنبات عن الشمس فإنها لم تتأثر بحرارة الشمس وبقيت باردة ومتجمده على شكل كتل صغيرة تقترب من الشمس خلال فترات محددة. لكن هذه النظرية أصبحت قديمة الآن، وظهرت بعض النظريات الحديثة التي تفسر أصل المذنبات المعتمدة على حركة المذنبات المرصودة سابقاً وخاصة المذنبات ذات المدارات (طويلة الأمد) Long Period وباستخدام أسلوب المحاكاة بالحاسوب، وهذا ساعد الفلكيين على وضع صورة أفضل حول كيفية نشوء المذنبات وسر ابتعادها في أعماق الفضاء دون رجعة. 1- سحابة أورتOort Cloud وضع هذه النظرية الفلكي الهولندي الشهير (جان اورت) Jan Oort سنة 1950م، افترض فيها بأن أجزاء من السحابة الغازية الأولى قذف بها بعيداً عن المجموعة الشمسية واتخذت لها مكاناً في الفضاء يبعد عن الشمس حوالي سنة ضوئية واحدة، وتحيط بالمجموعة الشمسية على شكل كرة، ونتيجة لعوامل فلكية معينة، كأن تتأثر السحابة بقوة دفع الجاذبية Push Gravity من أحد النجوم القريبة من السحابة، أو اصطدامها بالسدم والأتربة ما بين النجمية، والتي تؤدي الى خلخلة مادة السحابة قاذفة كمية هائلة من الكتل المتجمدة باتجاه الفضاء، وبعض هذه الكتل (أنويه المذنبات) تدخل حدود المجموعة الشمسية وتتخذ لها مداراً حول الشمس. إن هذه النظرية يمكنها تفسير العديد من الظواهر المرصودة للمذنبات مثل:- 1- إن معظم المذنبات المكتشفة تزور الشمس لأول مرة في حياتها ، خاصة المذنبات طويلة الأمد التي تزيد مدة دورانها حول الشمس عن 200 سنة. 2- لا يشترط أن تدور المذنبات حول الشمس من الغرب نحو الشرق أي بعكس حركة الساعة كما هو حال الكواكب السيارة والأقمار أو الكويكبات، بل لمكن أن تدور حول الشمس باتجاه معاكس أي باتجاه حركة عقارب الساعة، مثل مذنب (هالي) الشهير. 3- تظهر المذنبات في أي مكان من القبة السماوية، ولا تتقيد بدائرة البروج كما هو الحال بالنسبة للكواكب السيارة. 2- سديم هيلزHills Cloud طور الفلكي (جاك هيلز)Jak Hills في بداية الثمانينيات نظرية أورت حيث افترض أن سحابة اورت تمتد نحو الشمس بحيث تصل إلى بعد ثلاثة آلاف وحدة فلكية عنها، بينما يبقى الطرف الخارجي على نفس البعد وهو سنة ضوئية واحدة. ويقدر هيلز أن عدد المذنبات في هذا السديم الداخلي لسحابة اورت يصل إلى ملايين الملايين من الكتل الجليدية القذرة والتي تشكل أنويه المذنبات. 3- حزام كويبر Kuiper Belt افترض الفلكي (جيرارد كويبر)Gerard Kuiper سنة 1951 وجود حزام يقع بين كوكبي نبتون وبلوتو، أي يمتد بين 35-40 وحدة فلكية عن الشمس، ويقع على مستوى دائرة البروج ويمتد بضع درجات في السماء فوقها وتحتها. يظن الفلكيون أن حزام كويبر هو مصدر المذنبات ذات المدارات قصيرة الأمد، أي التي تستغرق فترة أقل من 200 عام للدوران حول الشمس، وهي المذنبات التي لا تميل مداراتها أكثر من 30 درجة عن دائرة البروج. وقد تمكن تلسكوب الفضاء (هابل) من رصد (حزام كويبر) والتقاط صور واضحة له، مما يؤكد وجود الحزام فعلاً. تركيب المذنبات ظن الناس منذ القدم بأن المذنبات عبارة عن اضطرابات تحدث في الغلاف الغازي الأرضي، لكن بعد تطور الرصد الفلكي تبين أن المذنبات أجسام بعيدة جداً عن الأرض ليس لها علاقة بالأرض على الإطلاق. وبعد الرصد والتحليل الطيفي والتصوير الفوتوغرافي للمذنبات، توصل الفلكيون إلى أنها تتشكل من الأجزاء الرئيسية التالية:- 1- النواة Nucleus وهي الجزء الرئيسي من المذنب، ويكون المذنب على شكل نواة جليدية غير متماسكة في الفترة التي يقضيها المذنب بعيداً عن الشمس، وهي أطول فترة يقضيها المذنب أثناء دورته حول الشمس بسبب مدارات المذنبات المفلطحه. وفي سنة 1950م وضع (فرد ويبل)Fred Whipple نموذجاً لنواة مذنب وتركيبها، بين فيها أن النواة كتلة هشه من الغازات المتجمدة مثل جليد الماء وثاني أو كسيد الكربون والميثان والأمونيا، مخلوطة بجزيئات ترابية مختلطه بعناصر ثقيله مثل السليكون والألمنيوم والمغنيسيوم والحديد، وتكون النواة على شكل مادة غير متماسكة وليست صلبه مثل الكواكب والأقمار والكويكبات. يختلف قطر النواة من مذنب لآخر، وعادة لا يزيد قطر النواة عن 15 كيلومتر ولا يقل عن كيلومتر واحد، مع أنه يمكن في بعض المذنبات الصغيرة أن يقل قطر النواة عن ذلك. 2- الغلاف الغازي (اللمة) Coma وتسمى أيضاً (الذؤابة)، وتظهر عندما يقترب المذنب من الشمس، فتقوم حرارة الشمس بتسخين مادة نواة المذنب الجليدية وتحويلها مباشرة من حالة الصلابة إلى الغازية دون مرورها بالمرحلة السائلة، وتعرف هذه الحالة (التسامي) وتتكون الذؤابة من غازات السيانوجين والكربون والميثان والماء والهيدروجين. تعتمد كثافة الذؤابة أو الغلاف الغازي للمذنب على بعد المذنب عن الشمس وحسب شدة تماسك النواة ووفرة الغازات فيها، وكلما كانت النواة أقرب إلى الشمس ازداد التسخين فتتبخر الغازات بشكل كبير، والعكس صحيح، فكلما ابتعدت نواة المذنب عن الشمس قلت الحرارة على سطح النواة فتقل الغازات المتبخرة. 3- الذيل Tail إن أكثر ما يميز المذنب هو الذيل، بل إن أصل التسمية جاءت مقترنه به، وهو أكبر جزء في المذنب. ويتشكل الذيل عند اقتراب نواة المذنب من الشمس وتشكل الذؤابة، وفي هذه الأثناء تضرب الرياح الشمسية جزيئات الغبار والغاز في الذؤابة فتقذفها بعيداً عن النواة باتجاه حركة الرياح الشمسية، لذلك فإن الذيل يتجه دائماً بعيداً عن جهة الشمس. ويعتمد طول الذيل على حسب بعد المذنب عن الشمس وحجم نواته ومقدار تماسك المادة فيها، فكلما كان المذنب أقرب من الشمس كانت نسبة الغازات المتبخرة كبيرة وبالتالي يزداد طول الذيل. كما أن كمية الغازات في النواة ومقدار تماسك مادتها يؤثر على نسبة الغازات المتبخرة ومن ثم على حجم الذيل وطوله. ويقسم العلماء الذيل إلى قسمين رئيسيين هما:- أ- الذيل الغازي The Tail Of Gases: يتألف من الغازات المتبخرة من النواة حيث تصطدم بها الرياح الشمسية فتقذفها بقوة باتجاه حركتها، لذلك يظهر الذيل الغباري مستقيماً وطويلاً جداً، فقد وصل طول الذيل في مذنب هالي عندما ظهر عام 1986م إلى 65 مليون كيلومتر. ب- الذيل الغباري المنحني The Tail Of Dust : وهو الذيل الذي يتشكل من ذرات الغبار الخفيفة الخارجة من نواة المذنب ، ولا تستطيع الرياح الشمسية قذفها بقوة نظراً لزيادة كتلتها بالنسبة لكتلة الغازات فيظهر الذيل الغباري منحنياً ومائلاً بالنسبة للذيل الغازي، كما يظهر الذيل الغباري قصيراً قياساً للذيل الغازي. مدار المذنبات تتميز المذنبات عن الكواكب السيارة أيضاً من حيث مدارها المفلطح جداً حول الشمس، فمعظم مدارات المذنبات تأخذ شكل قطع ناقص (الإهليلج المفتوح من إحدى نهايتيه) وهذا يجعل المذنبات بعيدة عن الشمس في معظم فترة دورانها حول الشمس، وتختلف نسبة التفلطح في المدارات من مذنب لآخر، و تقسم مدارات المذنبات إلى قسمين رئيسيين 1- المدارات طويلة الأمد Long Period وهي مسارات المذنبات التي مداراتها ذات القطع المكافئ شديد التفلطح، لذلك فهي تقضي فترة طويلة جداً بعيدة عن الشمس، ولا ترى هذه المذنبات عادة سوى مرة واحدة فقط، لأنها تزور الشمس ثم تعود إلى أعماق الفضاء دون رجعة، كما أن عدد هذه المذنبات قليل جداً قياساً بعدد المذنبات المشاهدة من الأرض، وخير مثال على هذه المذنبات هو مذنب (كوهوتيك) الذي يدور حول الشمس مرة واحدة كل 13000 عام، ومع ذلك فظهور هذه المذنبات عادة ما يكون مميزاً، إذ تظهر لامعة جداً ولها ذيل طويل بحيث يكون شكلها مثيراً. 2- المدارات قصيرة الأمد Short Peiod وهذه مسار مذنبات لها مدارات ذات قطع ناقص، وترى عدة مرات خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً ، وذلك بسبب ضيق مداراتها، أي تظهر في السماء بشكل دوري، وعادة لا تخرج هذه المذنبات من حدود المجموعة الشمسية، كما أن أعمار هذه المذنبات قصيرة نسبياً، وذلك بسبب كثرة اقتراب المذنب من الشمس فيخسر المذنب جزءا كبيرا من مادته في كل زيارة للشمس، مما قد ينهي حياة المذنبات باصطدامها بأحد الكواكب السيارة العملاقه مثل حادثة اصطدام مذنب شوميكر-ليفي بالمشتري خلال شهر تموز سنة 1994م ، أو اصطدامها بزحل، أو حتى بالكواكب الصغيرة. وأفضل مثال للمذنبات التي لها مدار قصير الأمد هو المذنب (إنكي) Encke الذي حسب مداره الفلكي الألماني (جوهان إنكي)Johan Encke سنة 1819م، وعرف أن مداره قصير الأمد ويدور حول الشمس مرة واحدة كل 3 سنوات و4 شهور، وتم مشاهدة المذنب أكثر من أربعين مرة بعد انجاز حساب مداره ، وكان يظهر في كل مرة أخفت لمعانا من المرات السابقة ، لكنه ظهر بدون ذيل سنة 1993م ووصل لمعانه إلى القدر 6.8.أخر الأخبار الفلكية
-
الأخبار الفلكية
حدث فلكي “لا يصدق” .. 99% من سكان العالم يتعرضون لضوء الشمس في يوم محدد
في لحظة محددة في نهاية هذا الأسبوع، سيتمكن 99% من سكان العالم تقريبا من رؤية ضوء الشمس في السماء في…
أكمل القراءة » -
الأخبار الفلكية
قمر يوليو العملاق من الفضاء بعدسة الرائد الإماراتي سلطان النيادي
قدم القمر الكامل لشهر يوليو عرضا سماويا مبهرا لسكان الأرض، كونه كان أول قمر عملاق للعام 2023 من أصل أربعة.…
أكمل القراءة » -
الأخبار الفلكية
صور خلابة لقمر الفراولة وهو يزيّن سماء العالم
صدر الصورة،MIKE SPENCER / بدا قمر الفراولة ذهبي اللون فوق أطول جداريات الفن في أوروبا، تحديدا في مدينة ليستر الإنجليزية…
أكمل القراءة » -
الأخبار الفلكية
القمر العملاق: أول ظهور هذا العام في عدة دول
ظهر القمر العملاق في دول عربية وغربية يوم 3 يوليو / تموز منها أمريكا اللاتينية، إسبانيا، مصر ومدينة القدس وغيرها.…
أكمل القراءة »