فيزياء الفضاء

اكتشاف نوع جديد من التشابك الكمي

يُمكن أن يحدث بين جسيمين من نوعين مختلفين.. ويتيح التحديق بعمق داخل نواة الذرات ورؤية القوى التي تربط بعضها ببعض …

 

من المعروف في ميكانيكا الكم أن الجسيمات من النوع نفسه يُمكن أن تتشابك معًا؛ إذ يعني التشابك الكمي بين جسمين أن معرفة معلومةٍ ما عن الجسيم الأول تُعطي معلومةً عن الجسيم الآخرأو تُحسِّن معرفتنا به.

فمثلًا، إذا كان الجسيم الأول يدور حول نفسه بشكلٍ ما، فإن الجسيم المُتشابك يدور معه بشكل مُعاكس، لكن في النوع المعروف من التشابك، يجب أن يكون الجسيمان من النوع نفسه.

تشابُك بين جسيمين مختلفين

لكن، وفق بحث جديد نشرته دورية “ساينس أدفانس”، (Science Advances)، فقد اكتشف باحثون من مختبر بروكهافن الوطني الأمريكي -التابع لوزارة الطاقة الأمريكية- نوعًا جديدًا من التشابُك الكمي يُمكن أن يحدث بين جسيمين من نوعين مختلفين.

يقول “دانيال براندنبورج” -الفيزيائي السابق في مختبر بروكهافن، والمؤلف المشارك لتلك الدراسة- في تصريحات لـ”للعلم”: يُمكن اكتشاف تلك الظاهرة من رؤية ما في داخل أنوية الذرات بتقنية شبيهة بالطريقة التي يستخدم بها الأطباء التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني لمعرفة ما يحدث داخل الدماغ وأجزاء أخرى من الجسم.

في التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، يُحقن المريض بمادة مُشعة داخل الدورة الدموية، وحين تسري تلك المادة في الدماء يبدأ الأطباء في وضع المريض تحت جهاز الأشعة لتصوير مدى تشبُّع أنسجة الجسم بتلك المادة، وتكشف حالة التشبُّع تلك عن حالة النسيج الحي ونوعه وما إذا كان سرطانيًّا أو لا.

يقول “براندنبورج”: إن اكتشاف النوع الجديد من التشابُك الكمي سيتيح للعلماء رؤية ما بداخل نواة الذرة بطريقة شبيهة بطريقة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني؛ إذ ستكون الجسيمات المتشابكة معًا بمنزلة المادة المشعة في تقنية التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، في حين ستكون نواة الذرة بمنزلة جسد المريض.

تفتيت الجسيمات

استخدم الفيزيائيون مصادم الجسيمات في مختبر بروكهافن للكشف عن ذلك النوع الجديد من التشابك، ومصادم الجسيمات هو جهاز يُجري فيه الباحثون تسريعًا للجسيمات ثم يصدمون بعضها ببعض لتتفتت الجسيمات إلى مكونات أصغر، وقد أجرى الباحثون تلك التجربة باستخدام فوتونات الضوء التي تحيط بأيونات الذهب في أثناء التسريع في المصادم.

يقول “براندنبورج”: إن تلك الطريقة تُسهم في حل العديد من المسائل الغامضة حول نظرية الكم، والتي لا يُمكن حلها باستخدام التقنيات الحسابية والحاسوبية الحالية، ولا يزال هناك العديد من الألغاز حول كيفية حصول المادة اليومية على خصائصها مثل كتلتها الإجمالية أو الدوران الكمي.

اللبنات الأساسية

يضيف “براندنبورج”: تتيح هذه التقنية الجديدة رؤية توزيع القوة داخل البروتونات وفي الذرات، مما يساعدنا على فهم كيفية تكوين البروتونات والنيوترونات للذرات ولماذا تكون بعض التكوينات مستقرةً وبعضها الآخر غير مستقر، والبروتونات هي جسيمات موجبة الشحنة توجد داخل النواة، أما النيوترونات فهي جسيمات متعادلة الشحنة توجد أيضًا داخل أنوية الذرة، ويمكن أن يساعد فهم القوة النووية على هذه المقاييس الصغيرة في فهمنا للأشكال الفيزيائية الفلكية للمادة، مثل النجوم النيوترونية، وهي أشكال مادة كثيفة للغاية ومثيرة للاهتمام.

وكان الهدف من تلك التجربة تمكين الفيزيائيين من دراسة اللبنات الأساسية للمادة النووية، والمعروفة باسم الكواركات والغلوونات، والتي تشكِّل البروتونات والنيوترونات.

دانيال براندنبورج الفيزيائي السابق في مختبر بروكهافن والمؤلف المشارك في الدراسة

ويقوم الباحثون بتحطيم نوى الذرات الثقيلة معًا -مثل ذرات الذهب- التي تسافر في اتجاهين متعاكسين حول المصادم بسرعة قريبة من سرعة الضوء، ويمكن لشدة هذه الاصطدامات بين النوى (وتسمى أيضًا الأيونات) أن “تذوِّب” الحدود بين البروتونات الفردية والنيوترونات حتى يتمكن العلماء من دراسة الكواركات والغلونات كما كانت موجودة في الكون المبكر جدًّا، أي قبل تشكُّل البروتونات والنيوترونات.

كسر تأثير التشابك الكمي

أراد الفيزيائيون أيضًا معرفة كيف تتصرف الكواركات والغلونات داخل النوى الذرية -كما هي موجودة اليوم- لفهم القوة التي تربط هذه اللبنات معًا بشكل أفضل.

في حين أن هذه النتيجة لا ترتبط مباشرةً بالحوسبة الكمومية، إلا أنها قد توفر بعض المدخلات المهمة، فالآن وبعد أن علمنا بهذا الشكل الجديد من التداخل الكمي، قد يتمكن الناس من الاستفادة منه في أنظمة كمومية أخرى، مثل تلك المستخدمة في أجهزة الكمبيوتر الكمومية.

والأهم من ذلك أن هذا النوع الجديد من التداخل الكمي يوفر طريقةً فريدةً لاختبار أنواع البيئات التي تسبب انهيار وظيفة الموجة الكمومية أو الدالة الموجية، وهو موضوع ذو أهمية كبيرة للحوسبة الكمومية، والدالة الموجية هي أداة تُستخدم لوصف تأثير بعض الجسيمات على بعض.

يقول “براندنبورج”: يخطط الفريق لعمل قياسات مستقبلية بناءً على هذه التقنية لمعرفة ما إذا كان بإمكانهم كسر تأثير التداخل عن قصد، علاوةً على محاولة إنشاء أدوات اتصال أكثر قوةً بشكل ملحوظ بناءً على التشابك الكمومي المكتشَف حديثًا.

ويود “براندنبورج” لو يعرف الجميع المزيد حول “الجوانب الرائعة لميكانيكا الكم”؛ ففيها “يتم ربط الأشياء بطرق مدهشة”، وهذا الاكتشاف الجديد “يؤكد الأمر، ويتيح لنا التحديق بعمق داخل نواة الذرات ورؤية القوى القوية التي تربط بعضها ببعض”، وفق قوله.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى