اكتشاف تركيبات جديدة من الجليد الملحي يرجح انتشارها على أقمار الكواكب الأخرى
يعتقد العلماء أن مساحات من الجليد تمتد إلى ما بين 5 و10 كيلومترات تغطي محيطات على سطح “قمر أوروبا”.. ويبلغ عمقها عدة مئات من الكيلومترات.
وبينما ظل التركيب الكيميائي لتلك التكوينات من الجليد الملحي غامضًا لعدم تطابقها مع أي مادة أخرى معروفة على الأرض، يعتقد فريق من العلماء، بقيادة جامعة واشنطن، أنهم توصلوا إلى حل ذلك اللغز، من خلال اكتشاف نوع جديد من البلورات الصلبة يمكن أن يتشكل عند اتحاد الماء وكلوريد الصوديوم أو ملح الطعام تحت ظروف البرودة والضغط المرتفع.
وتُظهر دراسة نشرتها دورية “بروسيدينجز أوف ذا ناشونال أكاديمي أوف ساينسز” (PNAS) أن التركيبة الجديدة -التي تمكن العلماء من تشكيلها داخل أحد المختبرات على الأرض، عن طريق مزج اثنين من أكثر المواد شيوعًا على الأرض، وهما الماء وكلوريد الصوديوم- يمكن أن تتشكل على أسطح المحيطات العميقة أو في قيعانها.
يؤكد بابتيست جورنو -أستاذ مساعد في علوم الأرض والفضاء بجامعة واشنطن، والمؤلف الرئيسي للدراسة- أنه “من النادر في الوقت الراهن وجود اكتشافات أساسية في العلوم”، مشيرًا إلى أن “الملح والماء من المواد المعروفة جيدًا في الظروف الطبيعية للأرض، ولكن بعيدًا عن هذه الظروف، فإن نتائج التفاعلات بينهما تبدو غامضةً تمامًا”.
يضيف مؤلف الدراسة: نتائج الدراسة مذهلة، لدينا الآن هذه الأجسام الكوكبية، التي قد تحتوي على مركبات مواد مألوفة لنا على كوكب الأرض، ولكنها تكونت في ظروف غريبة جدًّا، وعلينا أن نعيد ترتيب علوم المعادن الأساسية، التي توصل إليها البشر خلال القرن الـ19، ولكن في ظروف الضغط المرتفع، ودرجات حرارة أكثر برودة.
يقول “جورنو” في تصريحات لـ”للعلم”: في درجات الحرارة المنخفضة، يتحد الماء مع الأملاح لتكوين شبكة صلبة من الجليد الملحي، تُعرف باسم الهيدرات، يتم تثبيتها بواسطة روابط هيدروجينية، والتركيبة الوحيدة المعروفة لكلوريد الصوديوم في السابق كانت مكونةً من بنية بسيطة تحتوي على جزيء ملح لكل جزيئين من الماء، ويتكون جزيء الملح من ذرة صوديوم وذرة كلور، بينما يتكون جزيء الماء من ذرة أكسجين وذرتين من الهيدروجين.
إلا أن التركيبتين الجديدتين اللتين تم تشكيلهما تحت ضغط معتدل ودرجات حرارة منخفضة، تختلفان بشكل كبير عن التركيبة السابقة؛ إذ تحتوي إحداهما على جزيئين من كلوريد الصوديوم لكل 17 جزيئًا من الماء، بينما تحتوي الأخرى على جزيء من كلوريد الصوديوم لكل 13 جزيئًا من الماء، وهذا على الأرجح ما يفسر سبب كون البصمة الكيميائية لأسطح أقمار المشتري مائيةً أكثر مما كان متوقعًا.
ويعتبر “جورنو” أن “التركيبات الجديدة تحتوي على الهيكل الأساسي الذي كان ينتظره علماء الكواكب”، مؤكدًا أن “اكتشاف هذه الأنواع جديدة من الجليد الملحي له أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة للباحثين في مجال علوم الكواكب، بل أيضًا لعلوم الكيمياء الفيزيائية، وكذلك الباحثين في علوم الطاقة، الذين يعتمدون على استخدام بلورات صلبة من الهيدرات في تخزين الطاقة”.
يفسر المؤلف الرئيسي للدراسة دعوته إلى إعادة صياغة علوم المعادن الأساسية بقوله: إن العلماء تمكنوا من تحديد خصائص معظم المعادن التي عثروا عليها في الطبيعة، خلال القرن الـ19، ولكن الآن، بعد اكتشاف تركيبات جليدية على أقمار الكواكب الأخرى، تشكلت في ظروف مختلفة بعيدًا عن الأرض، تُظهر الدراسة أنه لا يزال هناك مزيد من المعادن التي يتعين على الباحثين اكتشافها ودراسة خصائصها.
تمكن فريق الدراسة من اكتشاف التركيبة الجديدة خلال تجربة لقياس كيفية تأثير إضافة الملح على كمية الجليد التي يمكن الحصول عليها، تحت ظروف الحرارة المنخفضة، عن طريق تعريض قدر ضئيل من الماء المالح لضغط مرتفع، بمقدار 25 ألف ضعف الضغط الجوي، باستخدام ماستين شفافتين في حجم حبة الرمل، مما يتيح للفريق مراقبة التجربة من خلال المجهر.
يقول “جورنو”: المثير للدهشة أنه عند زيادة الضغط على بلورات الجليد الملحي، فوجئنا بأن الهيدرات بدأت في النمو، لقد جاء الاكتشاف بمحض الصدفة.
ويؤكد العلماء أن ظروف الضغط المرتفع ودرجات الحرارة المنخفضة، التي ساعدت الباحثين على إجراء تجربتهم داخل المختبر، مماثلة للظروف الشائعة على أقمار المشتري.
ويعتقد العلماء أن مساحات من الجليد، تمتد إلى ما يتراوح بين 5 و10 كيلومترات، تغطي محيطات على سطح “قمر أوروبا” يصل عمقها إلى عدة مئات من الكيلومترات، مع احتمال وجود تركيبات أكثر كثافةً من الجليد في قاع تلك المحيطات.
ومن المتوقع أن تنطلق بعثتان لاستكشاف الأقمار الجليدية لكوكب المشتري في المستقبل القريب، إحداهما تتبع وكالة الفضاء الأوروبية، والأخرى تتبع وكالة “ناسا” الأمريكية، التي تستعد لإطلاق مهمة أخرى إلى قمر “تيتان” الذي يدور في فلك كوكب زحل، بحلول عام 2026.
ويؤكد الباحثون أن تزويد طواقم تلك المهمات بالمعلومات اللازمة حول التركيبات الكيميائية للمواد التي يُحتمل العثور عليها، سيساعدهم في إجراء دراساتهم بشكل أفضل حول احتمالات وجود حياة على تلك الكواكب.